مقتطفات من کلمات الأستاذ علی رضا بناهیان

مقتطفات من محاضرة الأستاذ بناهیان بین 250 نفر من الفنانین والناشطین فی الفن العازمین على مسیرة الأربعین

 

مضافا إلى الأبعاد الاجتماعیة والآثار العظیمة التی تترکها زیارة کربلاء الحسین (علیه السلام) وخاصة فی أیام الأربعین، تنطوی هذه الزیارة المبارکة على آثار ونتائج معنویة ینبغی أن ینتبه إلیها زوار الحسین ومن شدّ الرحال لزیارة کربلاء.

 

لابد لنا جمیعا أن نفهم عن عمق سبب قیمة زیارة قبر أبی عبد الله (علیه السلام) وأهمیتها. إن فهم هذه الحقیقة عن عمق، هو بحد ذاته شرف وتوفیق عظیم من الله، حیث من شأنه أن یُتَمنّى هذا الوعی من الله إذ لا یحصل بالدراسة والتحقیق وحسب. بإمکاننا أن نطالع روایات فی هذا المجال، أما أن ننال الفهم العمیق فی هذه المسألة فهو توفیق خاص.

 

على سبیل المثال کان حدیث الإمام الخمینی (قدس سره) حول عظمة إقامة العزاء على الحسین وأهمیة خروج مواکب العزاء حدیثا یختلف عن غیره. یشعر الإنسان أن کثیرا من الناس لم یستطیعوا أن یعوا هذه العظمة بوضوع وعمق. کأنت نطرة الإمام ورؤیته تجاه المآتم والمواکب خارجة عن نطاق الألفاظ والکلمات. إن أقوال الإمام ملیئة باعترافه وإقراره بعدم إمکان وصف الآثار والنتائج العظیمة المترتبة على إقامة عزاء الحسین (علیه السلام).

 

لمشاهدة الموضوع کاملا أنقر علی

 

مجموعة من أجمل نوایا زوار أبی عبد الله (ع) فی کلام الإمام الصادق (ع)

 

تعلمون أن روایات أهل البیت (ع) فی مقام الدعاء تتصف بشأن ومقام خاص، کما أنها تتضمن بعض المعارف العالیة التی قد لا نجدها فی کثیر من الروایات الأخرى. إن هذه الأدعیة الثمینة فی الوقع عصارة باقی أحادیث أهل البیت (علیهم السلام). فی روایة قیمة جدا عن الإمام الصادق (علیه السلام)، یدعوا الإمام لزائری قبر الإمام الحسین (علیه السلام) وفی مطلعه یشیر الإمام (علیه السلام) بصیغة الدعاء إلى مجموعة من أجمل وأفضل النوایا التی یحملها زائروا قبر أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) فی رحلتهم إلى کربلاء.  

 

إنی قد أشرت إلى هذه الروایة فی محاضرات عدیدة، ولکن بودّی أن أقرأ نصها الکامل علیکم باعتبارکم شادین الرحال لهذا السفر النورانی. ومن خلال إمعان النظر فی نص دعاء الإمام الصادق (ع) تستطیعون أن تدرکوا مدى أهمیة زیارة أبی عبد الله (علیه السلام) ومختلف أبعادها.

 

«عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِی عَبْدِ اللَّهِ ع فَقِیلَ لِی ادْخُلْ فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُهُ فِی مُصَلَّاهُ فِی بَیْتِهِ فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُهُ وَ هُوَ یُنَاجِی رَبَّهُ وَ یَقُولُ... » (الکافی/ج4/ص582)

 

«یَا مَنْ خَصَّنَا بِالْکَرَامَةِ وَ خَصَّنَا بِالْوَصِیَّةِ وَ وَعَدَنَا الشَّفَاعَةَ وَ أَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى وَ مَا بَقِیَ وَ جَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْنَا، اغْفِرْ لِی وَ لِإِخْوَانِی وَ لِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَیْنِ ع الَّذِینَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَ أَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً ...» رغبة فی ماذا؟ وما هی دوافعهم ومحفزاتهم فی رحلتهم هذه؟

 

«رَغْبَةً فِی بِرِّنَا»؛ أی لیحسنوا إلینا أهل البیت. طبعا نحن أقل شأنا وأحقر قدرا من أن نحسن إلى أهل البیت (علیهم السلام). إن هذا الکلام یشبه قول الله عز وجل حیث قال: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (رحمان/60)، مع أنه کیف یتسنى لنا أن نحسن إلى الله، إلّا أن یعدّ الله أعملنا الصالحة إحسانا إلیه بلطفه وفضله.

 

«وَ رَجَاءً لِمَا عِنْدَکَ فِی صِلَتِنَا»، إنهم یرجون أجرک وثوابک الخاص الذی تعطیهم بسبب صلتهم واتصالهم بنا. فالإمام قد اعتبر هذه الزیارة صلة بأهل البیت (علیه السلام).

 

«وَ سُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِیِّکَ صَلَوَاتُکَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ» وهذا یدل على أن زوار قبر الإمام الحسین (علیه السلام) یدخلون السرور على قلب النبی الأعظم (صلى الله علیه وآله) وهذا أمر مهم وثمین جدا.

 

«وَ إِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا» مما یدعو للابتهاج والشعور بالسعادة جدا هو أن تعتبر زیارة قبر أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) بمثابة تلبیة الحسین (علیه السلام)، أی الشعار الذی یهتف به زوار أبی عبد الله عند دخولهم الحرم (علیه السلام) حیث ینادون ویصرخون لبیک یا حسین.

 

«وَ غَیْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا»؛ حیث إنهم عزموا على هذه الزیارة لیغیظوا أعداءنا، و أنتم تشاهدون مدى الغیظ والحقد الذی یعتری قلوب الأعداء من هذه الزیارة، وبالتأکید إن غیظهم هذا سیعجل بهلاکهم.

 

«أَرَادُوا بِذَلِکَ رِضَاکَ»؛ وفی آخر المطاف، إن کسب رضا الله یمثل الذروة والقمة لکل هذه الدوافع والنوایا.      

 

 

دعاء الإمام الصادق (علیه السلام) لزوار قبر الحسین (علیه السلام)

 

هذه کانت مجموعة من نوایا زوّار قبر أبی عبد الله (علیه السلام) فی دعاء الإمام الصادق (علیه السلام) التی یستطیعون أن یحصلوها أو لابد لهم من ذلک. بعد ذلک یبدأ الإمام (علیه السلام) بالدعاء لزائری قبر الحسین (علیه السلام) ویسأل الله ویقول:

 

«فَکَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ» یعنی إلهی أتحفهم برضوانک نیابة عنّا.

 

«وَ اکْلَأْهُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهَارِ» أی واحفظهم لیلا ونهارا. طبعا قد یصاب بعض الزوار بجروح أو یستشهد بعضهم وهذا أمر على حدة ویرتبط بأسباب أخرى. فعلى سبیل المثال قد ینتهی أجل أحد فی هذا السفر، أو ینال توفیق تحمل البلاء فی طریقه إلى کربلاء. ولکن بشکل عام إن درجة الحمایة الإلهیة عن أنوع البلاء فی هذا الطریق درجة عالیة. فعلى سبیل المثال لا بأس أن تقارنوا بین نسبة الإصابة بالأمراض بین هذه المسیرة إلى کربلاء وبین الحج. أکثر الحجاج یصابون بزکام واحتقان شدید بالرغم من التحفظات والإجراءات الصحیّة والوقائیة الواسعة، بینما فی أیام الأربعین التی یقصد کربلاء أکثر من عشرة ملایین زائر لا نرى هذه الظاهرة أبدا، ولعل هذا من آثار دعاء الإمام الصادق (علیه السلام).

 

إن الله بنفسه یملأ فراغ زوار أبی عبد الله (علیه السلام) الذین غادروا بیوتهم، ویکون هو الخلیفة عنهم على أهلهم وأسرتهم

 

یتابع الإمام الصادق (علیه السلام) دعاءه لزوار الحسین (علیه السلام) ویقول: «وَ اخْلُفْ عَلَى أَهَالِیهِمْ وَ أَوْلَادِهِمُ الَّذِینَ خُلِّفُوا بِأَحْسَنِ الْخَلَف‏». الهی إذا شدّوا الرحال وغادروا بیوتهم وأهلهم  فکن أنت الخلیفة عنهم فی أسرتهم وعوّض علیهم ذلک. ونحن لا نجد هذه السنة الإلهیة لزوار کربلاء فی مقام آخر سوى المجاهدین فی سبیل الله وحجاج بیت الله الحرام، إذ هناک أیضا یأتی الله ویخلف على أهالی المجاهدین والحجاج ویملأ فراغهم.

«وَ اصْحَبْهُمْ وَ اکْفِهِمْ شَرَّ کُلِّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ وَ کُلِّ ضَعِیفٍ مِنْ خَلْقِکَ أَوْ شَدِیدٍ وَ شَرَّ شَیَاطِینِ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ» فی هذا السفر الروحانی یشعر الإنسان أن الشیطان مکبّل کما فی شهر رمضان، کما یستطیع الإنسان أن یشعر بمصاحبة الله عز وجل.

«وَ أَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْکَ فِی غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَ مَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَ أَهَالِیهِمْ وَ قَرَابَاتِهِمْ» کم یشعر الإنسان بالخجل عندما یواجه هذا اللطف وهذه المحبة والرأفة من قبل أئمة الهدى (علیهم السلام) حیث یبذلونها لمحبیهم على أقل عمل وخطوة.

«اللَّهُمَّ إِنَّ أَعْدَاءَنَا أَعَابُوا عَلَیْهِمْ خُرُوجَهُمْ فَلَمْ یَنْهَهُمْ ذَلِکَ عَنِ النُّهُوضِ وَ الشُّخُوصِ إِلَیْنَا خِلَافاً عَلَیْهِمْ- فَارْحَمْ تِلْکَ الْوُجُوهَ الَّتِی غَیَّرَتْهَا الشَّمْسُ وَ ارْحَمْ تِلْکَ الْخُدُودَ الَّتِی تَقَلَّبَتْ عَلَى قَبْرِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَیْنِ ع»

ثم یدعو الإمام ویقول: «وَ ارْحَمْ تِلْکَ الْأَعْیُنَ الَّتِی جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا وَ ارْحَمْ تِلْکَ الْقُلُوبَ الَّتِی جَزِعَتْ وَ احْتَرَقَتْ لَنَا وَ ارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِی کَانَتْ لَنَا اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَوْدِعُکَ تِلْکَ الْأَنْفُسَ وَ تِلْکَ الْأَبْدَانَ حَتَّى نُوَافِیَهُمْ عَلَى الْحَوْضِ یَوْمَ الْعَطَش‏» (الکافی/4/582 و ثواب الأعمال الشیخ الصدوق/95)

 

إن الداعین لزوار الحسین فی السماء أکثر من الداعین له فی الأرض

بعد ذلک یقول الروای أن الإمام الصادق (ع) استمر بهذا الدعاء وهو ساجد؛ (فَمَا زَالَ وَ هُوَ سَاجِدٌ یَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء). ثم بعد ما أنهى الإمام دعاءه أظهر الراوی استغرابه من شدة اهتمام الإمام الصادق بزائری کربلاء فأجابه الإمام (علیه السلام): (مَنْ یَدْعُو لِزُوَّارِهِ فِی السَّمَاءِ أَکْثَرُ مِمَّنْ یَدْعُو لَهُمْ فِی الْأَرْض)

ثم یشرح الإمام الصادق کیفیة دعاء أهل السماء لزوار أبی عبد الله (علیه السلام) حیث یقول: وَکَّلَ اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى بِالْحُسَیْنِ ع سَبْعِینَ أَلْفَ مَلَکٍ یُصَلُّونَ عَلَیْهِ کُلَّ یَوْمٍ شُعْثاً غُبْراً وَ یَدْعُونَ لِمَنْ زَارَهُ؛ (کامل الزیارات/ص119)

لقد وصانا الإمام الصادق (علیه السلام) أن لا ندع زیارة الحسین خوفا من أحد

لَا تَدَعْهُ‏ لِخَوْفٍ‏ مِنْ‏ أَحَدٍ فَمَنْ تَرَکَهُ لِخَوْفٍ رَأَى مِنَ الْحَسْرَةِ مَا یَتَمَنَّى أَنَّ قَبْرَهُ کَانَ بِیَدِهِ! أَمَا تُحِبُّ أَنْ یَرَى اللَّهُ شَخْصَکَ وَ سَوَادَکَ مِمَّنْ یَدْعُو لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص؟ أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَکُونَ غَداً مِمَّنْ تُصَافِحُهُ الْمَلَائِکَة؟ ُ أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَکُونَ غَداً فِیمَنْ رَأَى وَ لَیْسَ عَلَیْهِ ذَنْبٌ فَتُتْبَعَ؟ أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَکُونَ غَداً فِیمَنْ یُصَافِحُ رَسُولَ اللَّهِ ص؟ (ثواب الاعمال/ص96)

کل خطوة فی سبیل زیارة الحسین تعادل حسنة ودرجة وتمحی سیئة

عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَیْمُونٍ الصَّائِغِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: یَا عَلِیُّ زُرِ الْحُسَیْنَ وَ لَا تَدَعْهُ. قَالَ قُلْتُ: مَا لِمَنْ أَتَاهُ مِنَ الثَّوَابِ؟ قَالَ مَنْ أَتَاهُ مَاشِیاً کَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِکُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً وَ مَحَى عَنْهُ سَیِّئَةً وَ رَفَعَ لَهُ دَرَجَةً؛ (کامل الزیارات/ص134)

تدلّ روایات کثیرة فی فضل زیارة الحسین (علیه السلام) على أن کل خطوة نخطوها فی سبیل زیارة الحسین (علیه السلام) مغفرة للذنوب. والاستغفار لیس أمرا نحتاج إلیه فی بعض الأوقات وبقدر محدود، بل إنا بحاجة إلى الاستغفار على الدوام. وإن زیارة کربلاء وخاصة إذا کانت مشیا لهی فرصة استثنائیة للاستغفار. عندما یستغفر رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی کل یوم مئة مرة، وقال: إِنَّهُ لَیُغَانُ عَلَی قَلْبِی حَتَّی أَسْتَغْفِرُ فِی الْیَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ (مستدرک الوسائل/5/حدیث5978) فما بالک بحالنا؟

 لیس للستغفار حدّ حتى نصل إلیه ونستغنی عن الاستغفار بعده. بعد کل استغفار، تنمحی بعض الموانع والحجب الحائلة بیننا وبین الله، فینفتح الطریق ونزداد نورا وصلاحیة للارتقاء. ینبغی للإنسان أن یکون حریصا بالاستغفار. المغفرة أمر لا نهایة له. فمهما تطهّرنا نبقى بحاجة إلى المغفرة. کسب الطهارة بمعنى أن یصبح الإنسان إلهیا روحانیا، وهذا ما لا نهایة له، بل هو حرکة وصیرورة مستمرة.

إن السفر إلى کربلاء وخاصة إذا کان مشیا، سیطهر الروح من الأوساخ/ إجعلوا سفرکم هذا سفر تزکیة وتطهیر

إن السفر إلى کربلاء وخاصة إذا کان مشیا على الأقدام سیطهر الروح من الأوساخ، حریّ بنا أن نعتبر زیّ عزائنا والقمیص الأسود الذی نرتدیه فی أیام عزاء الإمام الحسین (ع) وفی أیام الأربعین کلباس الإحرام. ینبغی أن نعتبر هذا السفر سفر تزکیة وتطهیر لنزداد حظا وفائدة. هناک فرق بین أثر المسائل المعنویة على روح الإنسان وبین أثر الأدویة المادیة على جسم الإنسان، حیث إن فی الأدویة المادیة لا أثر لمعرفتنا بأثر الدواء، على مدى تأثیره على جسمنا، إذ أن الدواء المادی یؤدی مفعوله سواء عرفنا أثره أم لم نعرف، بینما فی المسائل المعنویة کلما ازدادنا معرفة بأثر عمل ما، سیزداد أثره على روحنا.

یسأل البعض: ماذا نفعل فی سفرنا هذا إلى کربلاء لنزداد فائدة وانتفاعا، وما هی التمهیدات الروحیة والمعنویة التی یجب أن نوفرّها؟ حسبنا أن نشعر بحاجتنا إلى المغفرة، وأن نشعر بحضورنا فی محضر أئمة الهدى (علیهم السلام) وبمصاحبة الله عز وجل. إنها تمهیدات فکریة وروحیة جیدا جدا. نعم ما صانعوه فی هذا السفر هو أن تجعلوا هذا السفر سفر تزکیة وتطهیر.

إن الشعور الرائع الآخر الذی یحظى به زائروا کربلاء الحسین، هو الشعور بالخجل تجاه أبی عبد الله (علیه السلام)/ عندما نشاهد العطاء الضخم الذی بذله الحسین من أجل مغفرتنا وهدایتنا، نشعر بالخجل     

غیر هذه المشاعر الرائعة التی سوف تصاحبکم فی طول رحلتکم إلى کربلاء، سوف یعتریکم شعور آخر فی هذا السفر المعنوی وهو الشعور بالخجل تجاه أبی عبد الله (علیه السلام). عند ذلک نقف أمام الحسین ونقول: یا أبا عبد الله، لقد تحملت کل هذه المصائب فی سبیل الله، وسبی عیالک وأوذی أطفالک، أما فی المقابل لم نؤد نحن شیئا من أجلک وفی سبیل الله، ومع ذلک سیُغفَر لنا من أجل محبتک، یکفینا هذا خجلا إلى یوم القیامة. عندما نشاهد أن الحسین ماذا قدّم من ثمن عظیم من أجل هدایتنا، نمتلئ خجلا وحیاء إذ نجد بأننا غیر قادرین على أن نقدّم للحسین (علیه السلام) أی شیء.

حقا نحن بحاجة إلى ثواب زیارة کربلاء. عندما نجد أن فی یوم القیامة لا یُهمَل أیُّ ذنب مهما کان صغیرا؛ (وَ مَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَه؛ (الزلزال/8) ومن جانب آخر عندما نرى أنه لیس فی الأعمال الحسنة والمطهرات أجدر وأقوى من البکاء على أبی عبد الله (علیه السلام) وزیارة قبر أبی عبد الله (علیه السلام) عند ذلک نشعر بالحاجة الماسة إلى هذه الزیارة وإلى هذه المجالس والمآتم. أسأل الله أن یزداد هذا الاهتمام المعنوی بین الناس.

إن برکات زائری کربلاء سوف تعمّ مجتمعهم وأقربائهم

بعدما ترجعون من زیارة کربلاء إلى دیارکم وإلى أهلکم، ستعمّ برکات وجودکم أجواء دیرتکم ومجتمعکم. فتصوروا مدى الآثار المعنویة العظیمة التی سوف تعمّ مختلف الشعوب والمجتعات فیما  إذا رجع هذا العدد الغفیر من الموالین الذین جاءوا إلى کربلاء لزیارة الأربعین. طبعا إن تحلیل هذه الآثار لیس بالأمر الهیّن. هل قد عرف کل الناس کلام الإمام حیث قال: "لقد حفظتنا هذه المنابر وهذه المآتم وهذه المصائب وهذا اللطم منذ ألف وأربعمئة سنة وهی التی أبقت الإسلام إلى الآن"؟! (صحیفۀ امام/ج8/ص526)  

لقد قال الله سبحانه وتعالى: «وَ الَّذینَ قُتِلُوا فی‏ سَبیلِ اللَّهِ فَلَنْ یُضِلَّ أَعْمالَهُمْ» (محمد/4) إن الله لا یضیّع عمل الشهداء الذین قتلوا فی سبیل الله، وهذا یعنی أنه قد جعل أعمالهم ذات أثر ممیز، ومما لا شکّ فیه إن أوج هذا الأثر الممیز یتمثل فی عمل أبی عبد الله (علیه السلام). وبإمکاننا أن نجعل أنفسنا فی معرض شعاع أثر دماء أبی عبد الله (علیه السلام) ونحظى بهذا الأثر الخاص.

کل من سیعزم على کربلاء فی أیام الأربعین الحسینی إن شاء الله، لابد أن یلتفت إلى الجوانب المعنویة والمطهّرة فی هذه المسیرة. یعنی لا نلتفت إلى بُعد العشق والمودّة لأهل البیت (علیهم السلام) وحسب، لا ننس أنفسنا وذنوبنا وخجلنا فی هذا السفر. هناک أثار وبرکات معنویة فی هذه الرؤیة، وهی أن نرى أنفسنا بحاجة ماسّة إلى هذا السفر، وبحاجة ماسّة إلى الغفران الإلهی.

 


مقتطفات من محاضرة الأستاذ بناهیان بین 250 نفر من الفنانین والناشطین فی الفن العازمین على مسیرة الأربعین

 

مضافا إلى الأبعاد الاجتماعیة والآثار العظیمة التی تترکها زیارة کربلاء الحسین (علیه السلام) وخاصة فی أیام الأربعین، تنطوی هذه الزیارة المبارکة على آثار ونتائج معنویة ینبغی أن ینتبه إلیها زوار الحسین ومن شدّ الرحال لزیارة کربلاء.

 

لابد لنا جمیعا أن نفهم عن عمق سبب قیمة زیارة قبر أبی عبد الله (علیه السلام) وأهمیتها. إن فهم هذه الحقیقة عن عمق، هو بحد ذاته شرف وتوفیق عظیم من الله، حیث من شأنه أن یُتَمنّى هذا الوعی من الله إذ لا یحصل بالدراسة والتحقیق وحسب. بإمکاننا أن نطالع روایات فی هذا المجال، أما أن ننال الفهم العمیق فی هذه المسألة فهو توفیق خاص.

 

على سبیل المثال کان حدیث الإمام الخمینی (قدس سره) حول عظمة إقامة العزاء على الحسین وأهمیة خروج مواکب العزاء حدیثا یختلف عن غیره. یشعر الإنسان أن کثیرا من الناس لم یستطیعوا أن یعوا هذه العظمة بوضوع وعمق. کأنت نطرة الإمام ورؤیته تجاه المآتم والمواکب خارجة عن نطاق الألفاظ والکلمات. إن أقوال الإمام ملیئة باعترافه وإقراره بعدم إمکان وصف الآثار والنتائج العظیمة المترتبة على إقامة عزاء الحسین (علیه السلام).

 

 

 

مجموعة من أجمل نوایا زوار أبی عبد الله (ع) فی کلام الإمام الصادق (ع)

 

تعلمون أن روایات أهل البیت (ع) فی مقام الدعاء تتصف بشأن ومقام خاص، کما أنها تتضمن بعض المعارف العالیة التی قد لا نجدها فی کثیر من الروایات الأخرى. إن هذه الأدعیة الثمینة فی الوقع عصارة باقی أحادیث أهل البیت (علیهم السلام). فی روایة قیمة جدا عن الإمام الصادق (علیه السلام)، یدعوا الإمام لزائری قبر الإمام الحسین (علیه السلام) وفی مطلعه یشیر الإمام (علیه السلام) بصیغة الدعاء إلى مجموعة من أجمل وأفضل النوایا التی یحملها زائروا قبر أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) فی رحلتهم إلى کربلاء.

 

إنی قد أشرت إلى هذه الروایة فی محاضرات عدیدة، ولکن بودّی أن أقرأ نصها الکامل علیکم باعتبارکم شادین الرحال لهذا السفر النورانی. ومن خلال إمعان النظر فی نص دعاء الإمام الصادق (ع) تستطیعون أن تدرکوا مدى أهمیة زیارة أبی عبد الله (علیه السلام) ومختلف أبعادها.

 

«عَنْ مُعَاوِیَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى أَبِی عَبْدِ اللَّهِ ع فَقِیلَ لِی ادْخُلْ فَدَخَلْتُ فَوَجَدْتُهُ فِی مُصَلَّاهُ فِی بَیْتِهِ فَجَلَسْتُ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ فَسَمِعْتُهُ وَ هُوَ یُنَاجِی رَبَّهُ وَ یَقُولُ... » (الکافی/ج4/ص582)

 

«یَا مَنْ خَصَّنَا بِالْکَرَامَةِ وَ خَصَّنَا بِالْوَصِیَّةِ وَ وَعَدَنَا الشَّفَاعَةَ وَ أَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى وَ مَا بَقِیَ وَ جَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إِلَیْنَا، اغْفِرْ لِی وَ لِإِخْوَانِی وَ لِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَیْنِ ع الَّذِینَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَ أَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً ...» رغبة فی ماذا؟ وما هی دوافعهم ومحفزاتهم فی رحلتهم هذه؟

 

«رَغْبَةً فِی بِرِّنَا»؛ أی لیحسنوا إلینا أهل البیت. طبعا نحن أقل شأنا وأحقر قدرا من أن نحسن إلى أهل البیت (علیهم السلام). إن هذا الکلام یشبه قول الله عز وجل حیث قال: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (رحمان/60)، مع أنه کیف یتسنى لنا أن نحسن إلى الله، إلّا أن یعدّ الله أعملنا الصالحة إحسانا إلیه بلطفه وفضله.

 

«وَ رَجَاءً لِمَا عِنْدَکَ فِی صِلَتِنَا»، إنهم یرجون أجرک وثوابک الخاص الذی تعطیهم بسبب صلتهم واتصالهم بنا. فالإمام قد اعتبر هذه الزیارة صلة بأهل البیت (علیه السلام).

 

«وَ سُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِیِّکَ صَلَوَاتُکَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ» وهذا یدل على أن زوار قبر الإمام الحسین (علیه السلام) یدخلون السرور على قلب النبی الأعظم (صلى الله علیه وآله) وهذا أمر مهم وثمین جدا.

 

«وَ إِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا» مما یدعو للابتهاج والشعور بالسعادة جدا هو أن تعتبر زیارة قبر أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) بمثابة تلبیة الحسین (علیه السلام)، أی الشعار الذی یهتف به زوار أبی عبد الله عند دخولهم الحرم (علیه السلام) حیث ینادون ویصرخون لبیک یا حسین.

 

«وَ غَیْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا»؛ حیث إنهم عزموا على هذه الزیارة لیغیظوا أعداءنا، و أنتم تشاهدون مدى الغیظ والحقد الذی یعتری قلوب الأعداء من هذه الزیارة، وبالتأکید إن غیظهم هذا سیعجل بهلاکهم.

 

«أَرَادُوا بِذَلِکَ رِضَاکَ»؛ وفی آخر المطاف، إن کسب رضا الله یمثل الذروة والقمة لکل هذه الدوافع والنوایا.

 

 

دعاء الإمام الصادق (علیه السلام) لزوار قبر الحسین (علیه السلام)

 

هذه کانت مجموعة من نوایا زوّار قبر أبی عبد الله (علیه السلام) فی دعاء الإمام الصادق (علیه السلام) التی یستطیعون أن یحصلوها أو لابد لهم من ذلک. بعد ذلک یبدأ الإمام (علیه السلام) بالدعاء لزائری قبر الحسین (علیه السلام) ویسأل الله ویقول:

 

«فَکَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ» یعنی إلهی أتحفهم برضوانک نیابة عنّا.

 

«وَ اکْلَأْهُمْ بِاللَّیْلِ وَ النَّهَارِ» أی واحفظهم لیلا ونهارا. طبعا قد یصاب بعض الزوار بجروح أو یستشهد بعضهم وهذا أمر على حدة ویرتبط بأسباب أخرى. فعلى سبیل المثال قد ینتهی أجل أحد فی هذا السفر، أو ینال توفیق تحمل البلاء فی طریقه إلى کربلاء. ولکن بشکل عام إن درجة الحمایة الإلهیة عن أنوع البلاء فی هذا الطریق درجة عالیة. فعلى سبیل المثال لا بأس أن تقارنوا بین نسبة الإصابة بالأمراض بین هذه المسیرة إلى کربلاء وبین الحج. أکثر الحجاج یصابون بزکام واحتقان شدید بالرغم من التحفظات والإجراءات الصحیّة والوقائیة الواسعة، بینما فی أیام الأربعین التی یقصد کربلاء أکثر من عشرة ملایین زائر لا نرى هذه الظاهرة أبدا، ولعل هذا من آثار دعاء الإمام الصادق (علیه السلام).

 

إن الله بنفسه یملأ فراغ زوار أبی عبد الله (علیه السلام) الذین غادروا بیوتهم، ویکون هو الخلیفة عنهم على أهلهم وأسرتهم

 

یتابع الإمام الصادق (علیه السلام) دعاءه لزوار الحسین (علیه السلام) ویقول: «وَ اخْلُفْ عَلَى أَهَالِیهِمْ وَ أَوْلَادِهِمُ الَّذِینَ خُلِّفُوا بِأَحْسَنِ الْخَلَف‏». الهی إذا شدّوا الرحال وغادروا بیوتهم وأهلهم فکن أنت الخلیفة عنهم فی أسرتهم وعوّض علیهم ذلک. ونحن لا نجد هذه السنة الإلهیة لزوار کربلاء فی مقام آخر سوى المجاهدین فی سبیل الله وحجاج بیت الله الحرام، إذ هناک أیضا یأتی الله ویخلف على أهالی المجاهدین والحجاج ویملأ فراغهم.

 

 

«وَ اصْحَبْهُمْ وَ اکْفِهِمْ شَرَّ کُلِّ جَبَّارٍ عَنِیدٍ وَ کُلِّ ضَعِیفٍ مِنْ خَلْقِکَ أَوْ شَدِیدٍ وَ شَرَّ شَیَاطِینِ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ» فی هذا السفر الروحانی یشعر الإنسان أن الشیطان مکبّل کما فی شهر رمضان، کما یستطیع الإنسان أن یشعر بمصاحبة الله عز وجل.

«وَ أَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْکَ فِی غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَ مَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَ أَهَالِیهِمْ وَ قَرَابَاتِهِمْ» کم یشعر الإنسان بالخجل عندما یواجه هذا اللطف وهذه المحبة والرأفة من قبل أئمة الهدى (علیهم السلام) حیث یبذلونها لمحبیهم على أقل عمل وخطوة.

«اللَّهُمَّ إِنَّ أَعْدَاءَنَا أَعَابُوا عَلَیْهِمْ خُرُوجَهُمْ فَلَمْ یَنْهَهُمْ ذَلِکَ عَنِ النُّهُوضِ وَ الشُّخُوصِ إِلَیْنَا خِلَافاً عَلَیْهِمْ- فَارْحَمْ تِلْکَ الْوُجُوهَ الَّتِی غَیَّرَتْهَا الشَّمْسُ وَ ارْحَمْ تِلْکَ الْخُدُودَ الَّتِی تَقَلَّبَتْ عَلَى قَبْرِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَیْنِ ع»

ثم یدعو الإمام ویقول: «وَ ارْحَمْ تِلْکَ الْأَعْیُنَ الَّتِی جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا وَ ارْحَمْ تِلْکَ الْقُلُوبَ الَّتِی جَزِعَتْ وَ احْتَرَقَتْ لَنَا وَ ارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِی کَانَتْ لَنَا اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْتَوْدِعُکَ تِلْکَ الْأَنْفُسَ وَ تِلْکَ الْأَبْدَانَ حَتَّى نُوَافِیَهُمْ عَلَى الْحَوْضِ یَوْمَ الْعَطَش‏» (الکافی/4/582 و ثواب الأعمال الشیخ الصدوق/95)

 

 

إن الداعین لزوار الحسین فی السماء أکثر من الداعین له فی الأرض

بعد ذلک یقول الروای أن الإمام الصادق (ع) استمر بهذا الدعاء وهو ساجد؛ (فَمَا زَالَ وَ هُوَ سَاجِدٌ یَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء). ثم بعد ما أنهى الإمام دعاءه أظهر الراوی استغرابه من شدة اهتمام الإمام الصادق بزائری کربلاء فأجابه الإمام (علیه السلام): (مَنْ یَدْعُو لِزُوَّارِهِ فِی السَّمَاءِ أَکْثَرُ مِمَّنْ یَدْعُو لَهُمْ فِی الْأَرْض)

ثم یشرح الإمام الصادق کیفیة دعاء أهل السماء لزوار أبی عبد الله (علیه السلام) حیث یقول: وَکَّلَ اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى بِالْحُسَیْنِ ع سَبْعِینَ أَلْفَ مَلَکٍ یُصَلُّونَ عَلَیْهِ کُلَّ یَوْمٍ شُعْثاً غُبْراً وَ یَدْعُونَ لِمَنْ زَارَهُ؛ (کامل الزیارات/ص119)

لقد وصانا الإمام الصادق (علیه السلام) أن لا ندع زیارة الحسین خوفا من أحد

لَا تَدَعْهُ‏ لِخَوْفٍ‏ مِنْ‏ أَحَدٍ فَمَنْ تَرَکَهُ لِخَوْفٍ رَأَى مِنَ الْحَسْرَةِ مَا یَتَمَنَّى أَنَّ قَبْرَهُ کَانَ بِیَدِهِ! أَمَا تُحِبُّ أَنْ یَرَى اللَّهُ شَخْصَکَ وَ سَوَادَکَ مِمَّنْ یَدْعُو لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص؟ أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَکُونَ غَداً مِمَّنْ تُصَافِحُهُ الْمَلَائِکَة؟ ُ أَ مَا تُحِبُّ أَنْ تَکُونَ غَداً فِیمَنْ رَأَى وَ لَیْسَ عَلَیْهِ ذَنْبٌ فَتُتْبَعَ؟ أَمَا تُحِبُّ أَنْ تَکُونَ غَداً فِیمَنْ یُصَافِحُ رَسُولَ اللَّهِ ص؟ (ثواب الاعمال/ص96)

کل خطوة فی سبیل زیارة الحسین تعادل حسنة ودرجة وتمحی سیئة

عَنْ عَلِیِّ بْنِ مَیْمُونٍ الصَّائِغِ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: یَا عَلِیُّ زُرِ الْحُسَیْنَ وَ لَا تَدَعْهُ. قَالَ قُلْتُ: مَا لِمَنْ أَتَاهُ مِنَ الثَّوَابِ؟ قَالَ مَنْ أَتَاهُ مَاشِیاً کَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِکُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةً وَ مَحَى عَنْهُ سَیِّئَةً وَ رَفَعَ لَهُ دَرَجَةً؛ (کامل الزیارات/ص134)

تدلّ روایات کثیرة فی فضل زیارة الحسین (علیه السلام) على أن کل خطوة نخطوها فی سبیل زیارة الحسین (علیه السلام) مغفرة للذنوب. والاستغفار لیس أمرا نحتاج إلیه فی بعض الأوقات وبقدر محدود، بل إنا بحاجة إلى الاستغفار على الدوام. وإن زیارة کربلاء وخاصة إذا کانت مشیا لهی فرصة استثنائیة للاستغفار. عندما یستغفر رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی کل یوم مئة مرة، وقال: إِنَّهُ لَیُغَانُ عَلَی قَلْبِی حَتَّی أَسْتَغْفِرُ فِی الْیَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ (مستدرک الوسائل/5/حدیث5978) فما بالک بحالنا؟

لیس للستغفار حدّ حتى نصل إلیه ونستغنی عن الاستغفار بعده. بعد کل استغفار، تنمحی بعض الموانع والحجب الحائلة بیننا وبین الله، فینفتح الطریق ونزداد نورا وصلاحیة للارتقاء. ینبغی للإنسان أن یکون حریصا بالاستغفار. المغفرة أمر لا نهایة له. فمهما تطهّرنا نبقى بحاجة إلى المغفرة. کسب الطهارة بمعنى أن یصبح الإنسان إلهیا روحانیا، وهذا ما لا نهایة له، بل هو حرکة وصیرورة مستمرة.

إن السفر إلى کربلاء وخاصة إذا کان مشیا، سیطهر الروح من الأوساخ/ إجعلوا سفرکم هذا سفر تزکیة وتطهیر

إن السفر إلى کربلاء وخاصة إذا کان مشیا على الأقدام سیطهر الروح من الأوساخ، حریّ بنا أن نعتبر زیّ عزائنا والقمیص الأسود الذی نرتدیه فی أیام عزاء الإمام الحسین (ع) وفی أیام الأربعین کلباس الإحرام. ینبغی أن نعتبر هذا السفر سفر تزکیة وتطهیر لنزداد حظا وفائدة. هناک فرق بین أثر المسائل المعنویة على روح الإنسان وبین أثر الأدویة المادیة على جسم الإنسان، حیث إن فی الأدویة المادیة لا أثر لمعرفتنا بأثر الدواء، على مدى تأثیره على جسمنا، إذ أن الدواء المادی یؤدی مفعوله سواء عرفنا أثره أم لم نعرف، بینما فی المسائل المعنویة کلما ازدادنا معرفة بأثر عمل ما، سیزداد أثره على روحنا.

یسأل البعض: ماذا نفعل فی سفرنا هذا إلى کربلاء لنزداد فائدة وانتفاعا، وما هی التمهیدات الروحیة والمعنویة التی یجب أن نوفرّها؟ حسبنا أن نشعر بحاجتنا إلى المغفرة، وأن نشعر بحضورنا فی محضر أئمة الهدى (علیهم السلام) وبمصاحبة الله عز وجل. إنها تمهیدات فکریة وروحیة جیدا جدا. نعم ما صانعوه فی هذا السفر هو أن تجعلوا هذا السفر سفر تزکیة وتطهیر.

إن الشعور الرائع الآخر الذی یحظى به زائروا کربلاء الحسین، هو الشعور بالخجل تجاه أبی عبد الله (علیه السلام)/ عندما نشاهد العطاء الضخم الذی بذله الحسین من أجل مغفرتنا وهدایتنا، نشعر بالخجل

غیر هذه المشاعر الرائعة التی سوف تصاحبکم فی طول رحلتکم إلى کربلاء، سوف یعتریکم شعور آخر فی هذا السفر المعنوی وهو الشعور بالخجل تجاه أبی عبد الله (علیه السلام). عند ذلک نقف أمام الحسین ونقول: یا أبا عبد الله، لقد تحملت کل هذه المصائب فی سبیل الله، وسبی عیالک وأوذی أطفالک، أما فی المقابل لم نؤد نحن شیئا من أجلک وفی سبیل الله، ومع ذلک سیُغفَر لنا من أجل محبتک، یکفینا هذا خجلا إلى یوم القیامة. عندما نشاهد أن الحسین ماذا قدّم من ثمن عظیم من أجل هدایتنا، نمتلئ خجلا وحیاء إذ نجد بأننا غیر قادرین على أن نقدّم للحسین (علیه السلام) أی شیء.

حقا نحن بحاجة إلى ثواب زیارة کربلاء. عندما نجد أن فی یوم القیامة لا یُهمَل أیُّ ذنب مهما کان صغیرا؛ (وَ مَنْ یَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا یَرَه؛ (الزلزال/8) ومن جانب آخر عندما نرى أنه لیس فی الأعمال الحسنة والمطهرات أجدر وأقوى من البکاء على أبی عبد الله (علیه السلام) وزیارة قبر أبی عبد الله (علیه السلام) عند ذلک نشعر بالحاجة الماسة إلى هذه الزیارة وإلى هذه المجالس والمآتم. أسأل الله أن یزداد هذا الاهتمام المعنوی بین الناس.

إن برکات زائری کربلاء سوف تعمّ مجتمعهم وأقربائهم

بعدما ترجعون من زیارة کربلاء إلى دیارکم وإلى أهلکم، ستعمّ برکات وجودکم أجواء دیرتکم ومجتمعکم. فتصوروا مدى الآثار المعنویة العظیمة التی سوف تعمّ مختلف الشعوب والمجتعات فیما إذا رجع هذا العدد الغفیر من الموالین الذین جاءوا إلى کربلاء لزیارة الأربعین. طبعا إن تحلیل هذه الآثار لیس بالأمر الهیّن. هل قد عرف کل الناس کلام الإمام حیث قال: "لقد حفظتنا هذه المنابر وهذه المآتم وهذه المصائب وهذا اللطم منذ ألف وأربعمئة سنة وهی التی أبقت الإسلام إلى الآن"؟! (صحیفۀ امام/ج8/ص526)

لقد قال الله سبحانه وتعالى: «وَ الَّذینَ قُتِلُوا فی‏ سَبیلِ اللَّهِ فَلَنْ یُضِلَّ أَعْمالَهُمْ» (محمد/4) إن الله لا یضیّع عمل الشهداء الذین قتلوا فی سبیل الله، وهذا یعنی أنه قد جعل أعمالهم ذات أثر ممیز، ومما لا شکّ فیه إن أوج هذا الأثر الممیز یتمثل فی عمل أبی عبد الله (علیه السلام). وبإمکاننا أن نجعل أنفسنا فی معرض شعاع أثر دماء أبی عبد الله (علیه السلام) ونحظى بهذا الأثر الخاص.

کل من سیعزم على کربلاء فی أیام الأربعین الحسینی إن شاء الله، لابد أن یلتفت إلى الجوانب المعنویة والمطهّرة فی هذه المسیرة. یعنی لا نلتفت إلى بُعد العشق والمودّة لأهل البیت (علیهم السلام) وحسب، لا ننس أنفسنا وذنوبنا وخجلنا فی هذا السفر. هناک أثار وبرکات معنویة فی هذه الرؤیة، وهی أن نرى أنفسنا بحاجة ماسّة إلى هذا السفر، وبحاجة ماسّة إلى الغفران الإلهی.

 

نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی